دراسة أوروبية تصنف تونس في الصدارة: لماذا تنخر الرشوة مجتمعنا ؟



أكد تقرير للبنك الأوروبي تفشي الرشوة والفساد في تونس ومصر بدرجة أكبر من الأردن والمغرب.. وبين أن الفساد الذي كان سببا في قيام الثورات في العالم العربي قد تطور بدرجة كبيرة في تونس وهو من اهم العراقيل التي تواجه الشركات والاقتصاد.

وذكر تقرير البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن عدم الاستقرار السياسي والفساد وممارسات المنافسين في القطاع غير الرسمي هي أهم القيود التي تواجهها الشركات في مصر وتونس وبدرجة اقل في الأردن والمغرب.
وأظهرت الدراسة الاستقصائية الجديدة لبيئة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي أجراها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار تركيز تحليل البنك الأوروبي على البلدان الأربعة التي يعمل بها البنك في منطقة جنوب المتوسط وشرقه.
أكدت الشركات التي وقع استجوابها من قبل البنك أن 2.7 بالمائة من اجمالي المداخيل السنوية تصرف تحت مسمى الرشوة المقنعة أو هدايا لمسؤولين حكوميين لتسهيل معاملاتها الديوانة والضرائب والتراخيص لتفوق بذلك نفس النسبة المسجلة في بلدان جنوب المتوسط وشرقه 0.9 بالمائة.
وتنظر الشركات في مصر والمغرب إلى الفساد على أنه ثاني أكبر عقبة ووضعته شركات في الأردن وتونس في المرتبة الرابعة.
ظاهرة خطيرة
كشفت مصادر من الجمعية التونسية للمراقبين العموميين من خلال دراسة تم إنجازها حول انتشار الفساد الاصغر في تونس، فإن التونسيين قد دفعوا 450 مليارا سنة 2013 لتسهيل معاملاتهم وهو ما يعبر عنه بـ«الخموس والعشور» وورقة العشرين دينارا والخمسين دينارا.
وكان رئيس الجمعية شرف الدين اليعقوبي قد اعتبر ان الفساد الصغير قد ارتقى الى مرتبة الوباء الذي ينخر الادارة التونسية.. وانه ظاهرة ما انفكت تتفاقم حسب 77 بالمائة من التونسيين وتحولها الى داء عضال.
وأكد حوالي 27 بالمائة من التونسيين انهم دفعوا رشوة وشاركوا في عملية فساد تتمثل في دفع رشاوى صغيرة تتراوح بين خمسة دنانير وخمسين دينارا بالنسبة الى السنة الفارطة وتعد هذه النسبة كافية حسب منظمة الشفافية الدولية الى دق ناقوس الخطر.
ودفع التونسيون رشاوى تقدر قيمتها حسب التقديرات الأولية بحوالي 450 مليون دينار دون احتساب الهدايا والعطايا او الامتيازات العينية وهو ما يعادل كلفة إنجاز خمسين كيلومترا من الطرقات السيارة على الأقل وهو مبلغ هام يؤكد خطورة الظاهرة.
في تزايد
يعتبر 77 بالمائة من التونسيين ان الرشوة لم تتراجع بعد الثورة وانها في تزايد من سنة الى اخرى. وحسب منظمة الشفافية المالية فان نسبة الرشوة في تونس قوية ولا بد من اتخاذ موقف قوي للحد من الظاهرة.
كما يعتبر 70 بالمائة من التونسيين ان الفساد الصغير ورغم انعكاساته السلبية فانه يسهل معاملاتهم اليومية. وتحتل المعاملات مع الأمن والديوانة صدارة القطاعات المعنية بالرشوة والفساد تليها قطاعات العدالة والصحة والجماعات المحلية ويشمل بلديات ومعتمديات كما يشمل الاعلام. وقطاعات أخرى مثل البنوك والتأمين والرياضة.
وحسب سبر آراء مع المواطنين فان اكبر الأسباب التي تؤدي الى دفع الرشوة هي الإجراءات الإدارية الطويلة والمحسوبية التي هي من اهم اسباب دفع الرشوة بنسبة 92 بالمائة، وتحتل تونس الكبرى صدارة ترتيب الجهات التي تمارس فيها الرشوة بنسبة 60 بالمائة نظرا الى أنها المكان الذي ترتكز فيها الإدارات الكبرى ومراكز الخدمات.
ومن جهة ثانية تشير الدراسة الى ان الرجال هم اكثر من يدفع الرشوة بنسبة 64 بالمائة مقابل 36 بالمائة من السيدات. ويمثل سبعون بالمائة من دافعي الرشوة الفئة الأقل من 45 سنة. وهم ممن دخلهم اقل من 400 دينار.
أسباب وأخلاق
صحيح أن الدراسات التي تم نشرها حول الفساد والرشوة تبين استفحال الظاهرة في تونس لكن الأخطر هو تقبل التونسيين للظاهرة وتعايشهم معها واعتبارها «نورمال» و«عاديا».
وتبدو درجة تقبل التونسى لعدد من هذه الممارسات مقلقة جدا، حيث يرفض 37 بالمائة فقط تقديم الرشوة حسب دراسة جمعية المراقبين العموميين.
ورغم نظرة التونسى الى هذه الظاهرة كشكل من الانحطاط الأخلاقي وخرق لمبادئ الدين فانه يرى ان الرشوة تسهل المعاملات اليومية بنسبة 70 بالمائة من المستجوبين، والنفاذ الى الخدمات الادارية حتى الاكثر بساطة منها والاقل كلفة مثل الحصول على مضمون ولادة او الخدمات البلدية. ويبدو انه لا يوجد أي قطاع في منأى عن الرشوة والفساد، ويكثر الفساد بحسب التونسيين في قطاعات الامن والديوانة والعدل والخدمات الصحية والجماعات المحلية.
ومما يدعو الى الحيرة أنه رغم أن 91 بالمائة من الاشخاص المستجوبين يدعون الى الابلاغ عن حالات الفساد، ورغم تحول 84 بالمائة منهم ضحايا لعمليات الرشوة والفساد، فإنهم لم يقوموا بالتبليغ ابدا عن هذه العمليات وفق دراسة الجمعية التونسية للمراقبين العموميين في ما اعتبر 58 بالمائة منهم ان الوشاية لن تفضي الى شيء.
أسباب وأخلاق
أكد الدكتور حبيب تريعة الدكتور في علم النفس وعلم الاجتماع تفاقم ظاهرة الرشوة في مجتمعنا وقال انها مسألة طبيعية في فترة الفوضى والتراجع الاقتصادي وعدم احترام القانون. وربط بين التخلف وكثرة الفساد والرشوة معتبرا ان دولة المؤسسات والقانون مثل فرنسا لا تعرف الرشوة وتعترف بالكفاءات والحق للمواطن.
وقال ان ممارسة «الشاوش» وكل فرد لمهام اكبر من مهامه وعدم احترام الهيكلية يضاعف من الرشوة خاصة مع سيادة القيم المادية.
وحسب عدد من الدكاترة في علم الاجتماع فإن انتشار ظاهرة الرشوة والفساد في تونس يعود إلى تغير المجتمع ومفاهيمه وتراجع المبادئ مقابل انتشار الثقافة المادية والاستهلاكية. ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
ويبقى القانون محدود الفاعلية في صورة غياب إرادة واضحة لمحاربة الظاهرة وحث المواطنين على التبليغ عن حالات الفساد.. ويؤكد الخبراء أن التبليغ لا يمكن ان يكون له الوقع المطلوب ولا يمكن ان يكون ناجعا الا اذا ما اعتبرت الدولة الرشوة جريمة وابدت القدرة والرغبة فى محاسبة المسؤولين عنها.
ويؤكد الملاحظون والمختصون في موضوع الرشوة والفساد أن الفترات الانتقالية من شانها ان تشجع على كل ما هو غير منظم، فهي فترات تتسم بعدم الاستقرار وضعف الدولة واجهزة المراقبة لديها .
والجدير بالملاحظة هو أن تقريرا اصدره البنك العالمي حول الفساد في تونس ابرز ان القوانين الموضوعة في تونس قد تكون من اسباب تكاثف الرشوة والفساد في بلادنا.

الرشوة في أرقام

ـ حوالي 77 بالمائة من التونسيين يعتبرون ان ظاهرة الرشوة في تفاقم
ـ 37 بالمائة من التونسيين فقط يرفضون تقديم الرشوة
ـ 60 بالمائة من الرشاوى تقدم في تونس الكبرى
ـ 64 بالمائة ممن يدفعون الرشوة هم من الرجال
ـ 43 بالمائة من التونسيين يعتبرون ان الرشوة تسهل الأمور فيما يعتبر 39 بالمائة منهم انها عادة
ـ الأمن والديوانة هي على راس القطاعات المتهمة من المواطنين بالرشوة تليها العدالة والصحة والجماعات المحلية من بلدية ومعتمدية
ـ 41 بالمائة من المرتشين أجرهم دون أربعمائة دينار و38 بالمائة بين 401 و800 دينار
ـ 450 مليارا دفعها التونسيون كرشاوى في 2013
ـ 27 بالمائة من التونسيين دفعوا رشوة صغيرة.






ابتسام جمال