الشاهد _ يبدو أن المسألة السياسية في تونس يتم معالجتها بأشكال مغلوطة وبعيدة عن منطق الديمقراطية والتنزيل الفعلي السليم لما يسمى بنتائج الإنتخابات ، ويبدو أن الكثير من المشفقين على مشروع التحول الديمقراطي إلتهمتهم مكينة مصابة بلوثة إيديولوجية حادة ، مكينة لا تبحث عن إقتلاع نفوذ السبسي الإبن إشفاقا على نسل الديمقراطية بقدر بحثها عن تثبيت نفوذ إيديولوجي خبيث سبق واشتغل بكد لدعوة السبسي الأب من تقاعده السياسي وتأهيله للحكم بمشاركة قوى مالية وإعلامية وأخرى نافذة في الدولة رغبة منهم في الإنتقام من قرار الجماهير التاريخي الذي أدلت به ذات 23 أكتوبر 2011 .
ليس المشكل اليوم في حكومة حزبية أو سياسية أو حكومة تكنقراط أو وحدة وطنية أو حكومة إنقاذ ، كل ذلك يتجانس مع الديمقراطية ما دام نتيجة لتوافقات بينية ومبنية على قرار الصناديق ولم تتلاعب بجوهر العملية الإنتخابية ، وإن كان من حق المخلصين الخوف على مصير التجربة التونسية الفتية فإن ذلك لا يبرر الوقوع فريسة بين فكي أجندة عبثية تدميرية نشأت على الخداع وتمعشت على أزمات البلاد وأشعلت نار الحقد ونار الحطب حيثما حلت ، وإن كانت المشاركة السياسية الواسعة تندب اليوم أكثر من كل وقت مضى لحساسية المرحلة ولحاجة البلاد لانخراط جماعي في عملية المراقبة واستنفار الحذر للحيلولة دون الإنزلاق الخطير أو الردة الشاملة ، أيضا وإن كان من واجب 11 مليون تونسي طرح الحلول وتقديم المؤاخذات وإخضاع النخبة الحاكمة بإستمرار إلى المساءلة ، فإن ذلك لا يعني الخضوع لأجندة عبثية تفعل اليوم ما سبق وفعلته سنوات 2012 – 2013 - 2014 حين أوحت للشعب بأن الشرعية لم تعد شرعية وأن البلاد تنزلق نحو الهاوية وأن تسونامي على بعد أميال ، وفعلوا كل ما في وسعهم للإجهاز على حكومة الجبالي حين كانت وصلت إلى نسبة نمو تجاوزت 3% ، ثم أجهزوا على حكومة العريض بعد أن حققت نسبة نمو مقاربة ، وارتخوا فقط حين ابتعدت السلطة عن تمثيلية الصناديق وتخلصت من البناء على نتائج الإنتخابات واعتمدت على "البريكولاج" ، إذْ لا نتحدث عن رغبتهم في التنصل تماما من العملية الديمقراطية والقفز إلى السلطة عن طريق الإنقلابات متأثرين بما وقع في مصر ، في محاولة لإستنساخ تلك الجريمة الشنيعة ، وفعلا شرعوا في تصنيع قطع غيار الإنقلاب المسرطنة على غرار "تمرد" لكن الجيش التونسي سفه أحلامهم ونكس إنقلابهم .
وان كان من حق فصيل نزيه من المعارضة أن يضغط للتحسين والتثمين ، فإن بعض القطعان الأخرى وبعد أن خرجت من الوليمة بصفر حصاد ، ترغب في تكرار ما وقع مع الترويكا وتريد نسف نتائج الإنتخابات واستبدال الأرقام والنسب بالتهديد والصخب ، ولأنهم يدركون أن طريق الصناديق شاقة وأن الشعب في قطيعة معهم تراهم يبحثون عن حلول تعتمد على النخب الشريرة أكثر من اعتمادها على النخب التي أفرزتها العملية الإنتخابية ، وتراهم يجرمون إئتلافات الأحزاب الحاكمة ويطلقون عليها "محاصصة حزبية" حتى إذا سألتهم عن البديل قدموا لك وصفات يقطر الخبث من جنباتها .
لذلك لا يمكن الإنكار على أي حزب فاز إذا رغب في تشكيل حكومة أو الشروع في بناء تحالفات ، انما الإنكار يتم على الأحزاب الشريكة التي تنكس حضوضها وتبالغ في الزهد المرضي مرة بقبول حقيبة "شغل" يتيمة ومرة أخرى بعدم الاشتراك الفعلي في ترقية الأسماء المقترحة لتشكيل الحكومة الجديد ثم والله أعلم بالقادم .. إنه وطالما فشل الحزب الأول في تشكيل حكومة بمفرده وحتمت عليه نتائج الإنتخابات أن يدخل في إئتلافات ثنائية أو ثلاثية أو أكثر ، على الأحزاب الشريكة أن تنزل بثقلها وأن تقطع مع عملية الإستعفاف السلبي والعفاف المفتعل الذي يقود إلى عنوسة أبدية .
يبدو أن الحزب الفائز بالإنتخابات قرر الاعتماد على أحد وجوهه في تشكيل الحكومة القادمة ، وهذا لا يتعارض مع الديمقراطية وشروطها في شيء ، يبقى علينا الإنتظار لنقف على سلوك شريكه الثاني والحزب الأول في البرلمان وإن كان سيرضى بكتابة دولة يتيمة أم بوزارة الصيد البحري أم أنه سيحاول ترجيح الكفة والدخول في شراكة حقيقية بالحصول على حقائب سيادية و وازنة تُوازن منصب رئاسة الحكومة وتقطع مع الشلل الرعاش .
نصرالدين السويلمي